أبو القاسم الشابي وقصيدة "إذالشعب يوما أراد الحياة"
من مواليد (1909 _1934)
من أبناء القرن العشرين الذين نشأوا بين الحربين العالميتين الأولى والثانية ،أيام كان العالم العربي يتعثر بين حاضره الأليم وماضيه القريب المنقوص ، ولم يتردد الشاعر طويلا حتى عرف سربه وانضم إليه ثم صدح محلقا حتى اختطفته يد المنون وهو في ريعان شبابه.
لم ينشا بمسقط رأسه "تورز" فقد خرج منها وعمره عام وعاد إليها في زيارتين أقام فيهما نحو 3 اشهر.
قدم ابن القاسم إلى العاصمة للدراسة بجامعة الزيتونة في الثانية عشرة من عمره وقال الشعر باكرا . وكون لنفسه ثقافة عربية واسعة جمعت بين التراث القديم وبين روائع الأدب الحديث . كانت أولى نشراته في الصفحة الأدبية التي ترتبها ((النهضة )) كل اثنين سنة 1927 ، وفي سنة 1927 ظهر شعره مجموعا في المجلد الأول من كتاب ((الأدب التونسي في القرن الرابع عشر))
كان يضع شعره في صميم حركات الإصلاح التي كانت تعتلج بها النفوس آنذاك من بعث لحركة الشبان المسلمين ومناصرة لحركة تحرير المرأة .
وفي سنة 1929 نكب بوفاة والده وأصيب بداء (تضخم القلب ) وهو في الثانية والعشرين من عمره ولم يقلع عن عمله الفكري برغم نهي الطبيب له بل واصل إنتاجه نثرا وشعرا .توفي في تونس يوم 9 من أكتوبر سنة 1934 م ثم نقل جثمانه إلى تورز حيث دفن .
قصيدة إذا الشعب يوما أراد الحياة
إذا الشعب يوما أراد الحياة=فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي =ولابد للقيد أن ينكسر
ومن لم يعانقه شوق الحياة=تبخر في جوها واندثر
كذلك قالت لي الكائنات =وحدثني روحها المستتر
ودمدمت الريح بين الفجاج =وفوق الجبال وتحت الشجر:
إذا ما طمحت إلى غاية =ركبت المنى ونسيت الحذر
ومن لا يحب صعود الجبال =يعش ابد الدهر بين الحفر
فعجت بقلبي دماء الشباب =وضجت بصدري رياح أخر
وأطرقت أصغى لقصف الرعود=وعزف الرياح ووقع المطر
وقالت لي الأرض لما سالت: =يا أم هل تكرهين البشر ؟:
أبارك في الناس أهل الطموح=ومن يستلذ ركوب الخطر
وألعن من لا يماشي الزمان =ويقنع بالعيش ، عيش الحجر
هو الكون حي يحب الحياة =ويحتقر الميت مهما كبر
وقال لي الغاب في رقة =محببة مثل خفق الوتر
يجيء الشتاء شتاء الضباب=شتاء الثلوج شتاء المطر
فينطفئ السحر سحر الغصون =وسحر الزهور وسحر الثمر
وسحر السماء الشجي الوديع =وسحر المروج الشهي العطر
وتهوي الغصون وأوراقها =وأزهار عهد حبيب نضر
ويفنى الجميع كحلم بديع =تألق في مهجة واندثر
وتبقى الغصون التي حملت =ذخيرة عمر جميل عبر
معانقة وهي تحت الضباب =وتحت الثلوج وتحت المدر
لطيف الحياة الذي لا يمل =وقلب الربيع الشذي النضر
وحالمة بأغاني الطيور =وعطر الزهور وطعم المطر